سيد الأبنودى يكتب: أشعر كأنني مخطوفًا

كيف يمكن للزمن أن يخطفنا بهذه السرعة؟ في خضم الحياة المزدحمة بأعبائها وتقلباتها، تمر الأيام والسنون بخفة وسرعة تفاجئنا، ونجد أنفسنا فجأة قد تقدمنا في العمر دون أن ندري.

أشعر كأنني مخطوفًا

“أشعر كأنني مخطوفًا” في رحلة الزمن، حيث تتحول النداءات العابرة في الشارع من “يا شاب” إلى “يا عمو”، ومن “صديقي” إلى “يا حاج”، إنها لحظة مذهلة ومفاجئة تجعل الإنسان يتساءل: متى مر كل هذا الوقت؟

 

أتذكر تلك الأيام التي كنت فيها شاباً يركض في الشوارع، يتبادل الهمسات مع الفتيات، ويشارك في مباريات كرة القدم بالشوارع، حيث كان الشارع مسرحاً للحياة والنشاط والحيوية.

 

كان العالم بالنسبة لي مجرد ملعب كبير، مليء بالمغامرات والتحديات والشقاوة التي لا تنتهي. كنت أعيش كل يوم بيومه، مستمتعاً بكل لحظة كأنها آخر لحظة، بروح مفعمة بالشباب والحماس.

 

لكن الزمن لا يرحم، فقد بلغت ما فوق الأربعين دون أن أدرك، وبات الأطفال الذين كنت ألعب معهم وأحملهم على ظهري ينادونني بـ”يا عمو”، ورغم تقدمي في السن، فإن روحي ما زالت شابة، ما زلت أشعر بالحياة تتدفق في عروقي بنفس الحماس والعزيمة التي كانت عليها في سنوات شبابي، فالعمر قد يكون مجرد رقم يزيد، لكن حلاوة الروح والشباب في القلب لا تعترف بالأرقام ولا تحدها سنوات.

 

في ليالي الشباب المتلألئة بالشعر، كنت أستدعي الشبان والفتيات لنجتمع في جلسات مفعمة بالود والألفة، حيث تنسجم الأصوات وتتمازج الأفكار، كانت الأمسيات تضج بالحوارات الراقية والضحكات الصافية التي تشق صمت الليل، ومن أعماقي كنت أفيض بمشاعر عارمة، مترجمًا أحلامنا وآلامنا، ومعبرًا عن الرغبات العميقة والتطلعات التي تختمر في نفوسنا.

 

في تلك الأمسيات، كنت أنظر إلى عيون الفتيات اللامعة بالأمل والحلم، فأرى فيها قصائد تنتظر أن تُكتب، وكأن تلك العيون كانت تهمس لي بكلمات شعرية تختزل العواطف والتجارب، كنت أستلهم الإلهام من تلك النظرات العميقة، أسرق الكلمات برقة واحترام، فكانت القصائد تولد من رحم المواقف الصغيرة واللحظات العابرة التي تجمعنا.

 

لقد كان الشعر ملجأنا وملاذنا، وكانت الكلمة هي جسرنا نحو فهم الحياة والتعبير عنها. كل قصيدة كتبتها كانت تعبيرًا عن تجربة، عن لحظة حب، عن فكرة تمرد، أو حتى عن همسة حزن، ومع كل بيت شعري كنت أرسم، كان قلبي ينبض بالفخر لتلك الروح التي تجمعنا، لتلك اللحظات التي كنا نتشاركها بصدق وعمق.

 

وكانت تلك الكلمات التي “أسرقها” من عيون من حولي تحمل بين طياتها أسرار الحياة والحب والشباب، تلك الأسرار التي لا تزال تحرك في قلبي روح الشباب، مهما تقدمت بي الأعوام.

 

إن شباب القلب هو ما يحتفظ به المرء من نضارة الروح والنظرة المتفائلة للحياة، مهما تقدم به العمر، فالشباب ليس له علاقة بالسنوات التي عشتها، بل بالطريقة التي تعيش بها هذه السنوات، هو تلك الشعلة التي لا تنطفئ داخل الروح، التي تدفعنا دائماً للأمام، لاكتشاف المزيد والعيش بحب وشغف. لذلك، مهما كانت الألقاب التي تُطلق علينا، فإن جوهرنا الحقيقي يظل دائماً شاباً، متألقاً بروح لا تعرف الكللأو الملل.

 

مع مرور الزمن وخاصة عند الوصول إلى الأربعين، يصبح التركيز على الأسرة نقطة محورية في مسيرتنا الشخصية، تلك الأوقات التي نجتمع فيها حول مائدة الطعام، نتشارك الأحاديث والضحكات وحتى الصمت، تصير أثمن ما يمكن أن نجمعه في سجل ذكرياتنا. تكتسب العلاقات الأسرية عمقًا جديدًا، ونبدأ بالاستثمار فيها بكل جدية، وكأننا ننسج من اللحظات اليومية قماشًا دافئًا يلفنا جميعًا بأمان وحنان.

 

هذه الفترة من الحياة تعلمنا أن تعميق الروابط الأسرية ليس فقط واجبًا، بل هو مصدر السعادة والاستقرار، نسعى لبناء تلك الذكريات التي تصبح مراسينا في عباب الحياة العاتية، ونتعلم كيف نصبح لبعضنا البعض الدعم الذي لا يتزعزع، وفي الأربعين، يتجلى لنا أن الأسرة هي الوطن الصغير الذي نحتمي به من تقلبات العالم الكبير.

سيد الأبنودى

سيد الأبنودي، صحفي متخصص في مجال البترول والطاقة والتعدين، يتمتع بخبرة تمتد لمدة 19 عامًا في صناعة البترول، لديه خبرة غنية في مجال العلاقات العامة والإعلام، حيث قدم إسهامات قيمة وتقارير دقيقة تعكس تفاصيل الصناعة وتحدياتها _ Sayed El-Abnody, a specialized journalist in the fields of petroleum, energy, and mining, boasts a 19-year experience in the petroleum industry. He holds rich expertise in public relations and media, delivering valuable contributions and accurate reports that reflect the intricacies and challenges of the industry.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى