سيد الأبنودى يكتب: هل أنهت شركة العربي عقدها مع الله؟


هل أنهت شركة العربي عقدها مع الله؟ يتردد هذا السؤال المعبر في أعماق أولئك الذين شهدوا تحول شركة العربي، هذه المؤسسة الراسخة التي كانت يوماً ما بمثابة معيار للنزاهة والتجارة العادلة المبنية على قيم الكرم والخير.

هل أنهت شركة العربي عقدها مع الله؟

في ركن من أركان حي الموسكي العتيق بالقاهرة، وتحديداً فى عام 1964، تأسست شركة العربي على يد ثلاثة أشقاء: محمد العربي، محمود العربي، وعبد المجيد العربي، لم تكن مجرد مؤسسة تجارية تسعى للربح المادي، بل كانت مهمتهم أشبه بعقد مقدس مع السماء، حيث اتخذوا من “التجارة مع الله” شعارًا ومنهجًا يعبر عن التعامل بما يرضي الله، ممزوجًا بالصداقة والحكمة في التجارة، مع التركيز على توظيف الشباب وتعزيز الصناعة المحلية.

وسعت الشركة لتقديم الأجهزة المنزلية بأسعار مخفضة لتخفيف الأعباء عن المواطنين في مصر والعالم العربي، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة اليومية للعديد من الأسر.

كانت الشركة تُعد مثالًا حيًا على النزاهة والأمانة في العمل، حيث كانت تجارتها مع الله في وضعها الصحيح، وذلك ما لمسناه في الدعوات المستمرة من جموع الشعب المصري والعربي ، خلال جنازة الحاج محمود العربي، الذي شيعه مئات الآلاف من المواطنين، كانت مشاهد الحزن العميق تعبر عن مدى الارتباط الوثيق بين الشركة والمجتمع.

ومع رحيل الحاج محمود العربي، الرجل الذي كان رمزاً لهذا النهج الرفيع، لوحظ تدريجيًا تغير في مسار الشركة، الأجيال الجديدة من العائلة التي تولت دفة القيادة بدت أكثر توجهًا نحو الأساليب الحديثة في التجارة العالمية، التي تركز على الربحية السريعة والتوسع الاقتصادي، دون الاهتمام الكافي بالمبادئ التي كانت الشركة تحمل لواءها في السابق، هذا التحول قد يُنظر إليه كخروج عن مفهوم “التجارة مع الله”، حيث أصبحت الأسعار تسير نحو السماء وباتت الأرباح تطغى على القيم.

شاهد أيضا:

سيد الأبنودى يكتب: أشعر كأنني مخطوفًا

الشركة التي كانت في يوم من الأيام تختار الربح القليل المبارك على الكثير المثقل بالهموم، أصبحت الآن تشهد تصاعداً في الأسعار يصعب على الكثير من المواطنين تحمله، هذه الزيادات، وإن كانت تعكس التحديات الاقتصادية وارتفاع تكاليف الإنتاج، إلا أنها تطرح تساؤلاً جوهريًا عما إذا كانت الشركة لا تزال تلتزم بعهدها الأول في دعم المجتمع وتحقيق التوازن الاقتصادي.

هذا التغيير ألقى بظلاله بوضوح، خصوصًا في مجال التكييفات، حيث صعدت الأسعار من حوالي 7 آلاف جنيه للوحدة إلى ما يقرب من 80 ألف جنيه، خلال عامين أو أكثر وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية الراهنة وارتفاع تكاليف الإنتاج والطاقة، يبدو أن الزيادة في الأسعار لم تكن مجرد استجابة لهذه العوامل فحسب، بل كانت تعكس أيضًا نهجًا جديدًا يُفضل مواكبة الأسواق العالمية ومجاراة سياساتها السعرية بدلًا من السعي نحو تحقيق التوازن وتشجيع المنافسين على خفض الأسعار.

لقد كانت شركة العربي، في عهد الحاج محمود، قنديلاً يُضيء طريق المنافسة بنور الأخلاق والمروءة، ممثلاً لأسمى معاني النزاهة في ساحة التجارة العالمية للأجهزة المنزلية.

كانت هذه الشركة العملاقة، بحق، تحمل لواء التجارة الأخلاقية، وتعد نموذجاً يُحتذى به في كيفية الجمع بين النجاح التجاري والالتزام الأخلاقي، وهو ما جعلها مصدر إلهام ليس فقط للمنافسين المحليين ولكن أيضاً للشركات الكبرى على المستوى العالمي.

ولكن، مع الزمن وتحت وطأة التحولات الجديدة التي شهدتها الشركة بعد رحيل هذا العملاق الأخلاقي، بدأ يطفو على السطح سؤال ملح وجوهري: هل أنهت شركة العربي، تلك الركيزة التي كانت أساس نجاحها وتميزها على مر العقود، عقدها الأخلاقي مع الله؟ هذا السؤال يُثير في النفوس قلقاً وترقباً، فهل من الممكن أن تُعيد الشركة تقييم مسارها وتخفض الأسعار الجديدة التي ألقت بظلالها الثقيلة على السوق؟ هل يمكن أن يكون هناك بصيص أمل لإعادة النظر في هذه السياسات التجارية، لكي تستعيد الشركة مجدها السابق كرائدة في التجارة الأخلاقية؟

إن ما يبقى من الأمل هو رؤية تلك العودة إلى الجذور التي تُعرف بالتزامها العميق بالقيم، حيث أن التاريخ يُظهر دوماً أن الأسس التي بُنيت عليها شركة العربي قد أحرزت نجاحاً لا يُنسى، وأنه بإمكانها مرة أخرى أن تُصبح شعلة تهدي الطريق ليس فقط في مجال التجارة ولكن في الحفاظ على تلك العلاقة المقدسة مع القيم والأخلاق.

لمزيد من المقالات على فيس بوك (اضغط هنا)

وبذلك، فإن قصة شركة العربي هي قصة تحول ونمو، تمزج بين النجاح التجاري والتحديات الأخلاقية، وتعكس تطور الأهداف والتوجهات عبر الأجيال، مع بقاء الذكرى العطرة للمؤسسين كشهادة على الأصالة والعراقة التي بدأت بها المسيرة.

سيد الأبنودى

سيد الأبنودي، صحفي متخصص في مجال البترول والطاقة والتعدين، يتمتع بخبرة تمتد لمدة 19 عامًا في صناعة البترول، لديه خبرة غنية في مجال العلاقات العامة والإعلام، حيث قدم إسهامات قيمة وتقارير دقيقة تعكس تفاصيل الصناعة وتحدياتها _ Sayed El-Abnody, a specialized journalist in the fields of petroleum, energy, and mining, boasts a 19-year experience in the petroleum industry. He holds rich expertise in public relations and media, delivering valuable contributions and accurate reports that reflect the intricacies and challenges of the industry.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى