سيد الأبنودي يكتب: المهندس كريم بدوي والنهوض المؤجل حين يلمع النفط وتنطفئ المعادن
منذ أن تولى معالي الوزير المهندس كريم بدوي مهام وزارة البترول والثروة المعدنية، شهد قطاع البترول والغاز في مصر تطورًا ملموسًا، وإنجازات تستحق الثناء والتقدير.
المهندس كريم بدوي والنهوض المؤجل
لقد تمكن من توفير الغاز لمحطات الكهرباء، ووفى بوعده في هذا الصدد، مما ساهم في استقرار منظومة الطاقة وتلبية احتياجات الوطن المتزايدة.
قطاع التعدين.. جرح نازف في الاقتصاد المصري
ولكن، في خضم هذه النجاحات، يبرز قطاع التعدين كجرح نازف في جسد الاقتصاد المصري، ينتظر من يضمده ويعيد إليه الحياة.
الثروة المعدنية.. إرث حضاري ضائع
الثروة المعدنية في مصر ليست مجرد كنوز مدفونة في باطن الأرض، بل هي إرث حضاري وتاريخي يمتد لآلاف السنين، ومع ذلك، يبدو أن هذا القطاع قد أُهْمِل ، ولم يحظ بالاهتمام اللازم لتطويره واستغلاله بما يليق بقدراته الهائلة.
كنوز ضائعة بين الرمال والصخور
تمتلك مصر أكثر من 70 خامة معدنية، منها معادن نادرة وثمينة كالذهب والتنتالوم والنيوبيوم والزركونيوم، والكوارتز والليثوم والتلك، والكوالين، هذه المعادن ليست مجرد موارد طبيعية، بل هي مفتاح للتقدم التكنولوجي والصناعي، وعصب للاقتصاد العالمي الحديث، ورغم هذا الثراء، نجد أن قطاع التعدين يعاني من ضعف الإنتاجية، وقلة الاستثمارات، وغياب التخطيط الاستراتيجي.
ضعف الإنتاجية والتخطيط في التعدين
الصحراء الشرقية وسيناء ومناطق عديدة أخرى تزخر بالمعادن الثمينة، ولكنها تظل حبيسة الصخور والرمال، تنتظر من يستخرجها بحكمة وعلم، كما أن الإخفاق في استغلال هذه الثروات يعد خسارة فادحة للاقتصاد الوطني، وفرصة ضائعة لتحقيق التنمية المستدامة.
كوادر الثروة المعدنية.. كفاءات مقيدة تنتظر الانطلاق
كما إننا على يقين تام بأن قيادات وكوادر هيئة الثروة المعدنية، وبعض قيادات الشركات التابعة لها، هم من أكفأ الجيولوجيين الذين يمتلكون دراية واسعة بكل الأمور.
اتاحة الفرصة
هم على أتم الاستعداد لقيادة نهضة تعدينية هائلة، لكنهم مقيدون بالقوانين واللوائح والميزانيات الضعيفة التي تحد من انطلاقتهم، فإذا أتيحت لهم الفرصة، سيصبح قطاع التعدين في مصر محط أنظار العالم.
أبرز المعوقات وتأخير الاتفاقيات
أحد أبرز المعوقات في قطاع التعدين يتمثل في عدم توقيع اتفاقيات استغلال مع شركات التعدين العالمية مثل “باريك” و”سنتامين”، وذلك رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات منذ بدء المفاوضات، هذه الشركات التي تعد من ضمن كبرى الشركات في العالم جاءت إلى مصر بحماس وتفاؤل كبيرين، ولكن التأخر في اتخاذ الخطوات الجادة أثار استياءها، ما يهدد فرص التعاون المثمر.
تأجيل الجمعية العامة لشركة أبومروات لمناجم الذهب
كما أن الجمعية العامة لشركة “أبومروات لمناجم الذهب” لم تُعتمد حتى اليوم، وهذا يعطل إمكاناتها وتأخر ضخ الاستثمارات ويسلب من مصر فرصة الاستفادة من ثرواتها.
غياب مزايدات جديدة واستياء شركات التعدين
ومع عدم طرح هيئة الثروة المعدنية مزايدات جديدة سواء للذهب أو للخامات التعدينية، أصبح الوضع صعبًا، كما أبدت العديد من شركات التعدين الدولية استياءها من عدم الإعلان عن نتائج مزايدة “شلاتين” التي مر عليها نحو عام دون تحديث أو قرار.
منتدى التعدين وتطلعات غير محققة
كما أن منتدى التعدين الذي عقد في يوليو 2024، فقد كان منتظرًا منه أن يكون نافذة لجذب الاستثمارات الأجنبية وإبرام الاتفاقيات التي تعزز مكانة مصر في قطاع التعدين، إلا أن مخرجاته لم تثمر عن شيء ملموس، تاركًا انطباعًا لدى الشركات العالمية بأن المنتدى كان مجرد لقاء احتفالي خالٍ من الرؤية الاستراتيجية.
منجم “إيقات” وإهمال الرؤية الواضحة
ومن الإخفاقات الأخرى البارزة في قطاع التعدين، عدم وضوح الرؤية بشأن منجم “إيقات” في الصحراء الشرقية، حيث لم يتم اتخاذ خطوات جادة لوضع هذا الكشف ضمن خريطة الإنتاج المنتظم، رغم ما يزخر به من إمكانات اقتصادية واعدة.
سحب ترخيص “الفواخير” دون استغلاله وضياع الاستثمارات
وفي خطوة غريبة، تم سحب ترخيص منجم “الفواخير” دون استغلاله، مما أدى إلى تعرضه للسرقة من قِبل المنقبين غير الشرعيين، وضياع الاستثمارات التي كان يمكن أن تحقق مردودًا عاليًا للدولة.
تأخر القرار بشأن منجم حمش
كما تأخر القرار بشأن منجم “حمش” – هل ستديره الدولة؟ أم سيتم طرحه للمزايدة العالمية؟ أم سيتم إسناده إلى إحدى الشركات العالمية؟ – هذا التأخير يجعله عرضة للنهب وخسارة فرص استثمارية قيّمة.
توقف تطوير المعامل المركزية وتجاهل المتحف الجيولوجي
كذلك، نجد أن تطوير المعامل المركزية توقف، وهي التي كانت لتسهم في دعم المشاريع البحثية والتقنية، وذلك بسب ضعف الموارد المالية المخصصة لذلك، فضلاً عن غياب الترويج للمتحف الجيولوجي، الذي يعد من أقدم المتاحف الجيولوجية في العالم، وتجاهله يحرم مصر من فرصة جذب الباحثين والسياح المهتمين بالجيولوجيا.
الحاجة لرؤية استراتيجية شاملة للتعدين
كما إن قطاع التعدين في مصر بحاجة ماسة إلى رؤية استراتيجية شاملة تقوده نحو الاستغلال الأمثل لموارده الغنية، فالتحديات والإخفاقات المتراكمة تعكس واقعاً يتطلب تدخلًا جاداً من معالي الوزير المهندس كريم بدوي.
الدعم السياسي والإداري المطلوب
بيد أن القطاع بحاجة ماسة إلى دعم سياسي وإداري يوازي الطموحات الكبيرة التي تمتلكها مصر في هذا المجال، ونأمل أن يشهد هذا القطاع توجهًا جديدًا يرتقي به ليصبح على قدر التطلعات الوطنية ويعزز من مكانة مصر كقوة واعدة في صناعة التعدين.
نداء إلى معالي الوزير
معالي الوزير المهندس كريم بدوي، إن النجاحات التي حققتموها في قطاع البترول والغاز تظهر قدرتكم على القيادة والتخطيط السليم، واليوم، يقف قطاع التعدين على مفترق طرق، ينتظر من يأخذ بيده نحو المستقبل، إن إهمال هذا القطاع يعد تفريطًا في ثروة لا تقدر بثمن، وفرصة حقيقية لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة.
التاريخ ينادي والمستقبل ينتظر
منذ فجر التاريخ، والمصريون يبدعون في فنون التعدين، ويبنون الحضارات من حجارة أرضهم ومعادنها، الأهرامات والمسلات والمعابد تشهد على عظمة هذا الشعب وقدرته على استغلال موارده، واليوم، نحن مدعوون لإحياء هذا الإرث، وتطويره بما يتوافق مع معايير العصر الحديث.
إخفاقات قطاع التعدين ليست قدرًا محتومًا
إن إخفاقات قطاع التعدين ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتيجة لسياسات يمكن تغييرها، ومعوقات يمكن تجاوزها، الأمل ما زال قائمًا، والإمكانات موجودة، كل ما نحتاجه هو الإرادة الحقيقية، والرؤية الواضحة، والعمل الدؤوب.
الثقة في قدرات الوزير لتحقيق النهضة
معالي الوزير، إن التاريخ سيسجل لمن يعيد لهذا القطاع بريقه، ويُطلق طاقاته الكامنة، فالتعدين هو الطريق الصحيح لنهضة مصر، والجسر الذي سيعبر بنا إلى مستقبلٍ أكثر إشراقًا وازدهارًا، نثق في قدراتكم، ونأمل أن نرى خطوات جادة نحو تطوير هذا القطاع الحيوي، لتحقيق ما تصبو إليه مصر من تقدم ورخاء.