سيد الأبنودي يكتب: عندما تصمت الصخور.. معركة التعليم وثروات الأرض فى غياب دور البترول والثروة المعدنية

في قلب المشهد التعليمي المصري، برز قرار إلغاء مادة الجيولوجيا من المناهج الدراسية للمرحلة الثانوية كعاصفة أثارت جدلاً واسعاً واستفسارات جوهرية حول مستقبل التعليم والتخصصات العلمية في البلاد.

معركة التعليم وثروات الأرض

هذا القرار، الذي يبدو للوهلة الأولى مجرد تعديل في المناهج، يحمل في طياته تداعيات عميقة تمتد إلى أبعاد اقتصادية وصناعية تتعلق بمستقبل مصر ومكانتها الإقليمية والدولية في مجالات البترول والتعدين.

 

الجيولوجيا ليست مجرد مادة علمية تُدرّس في الفصول الدراسية، بل هي علم يعبر بعمقه إلى جذور الاقتصاد المصري، الجيولوجيا هي العلم الذي يُمكّن الخبراء من فهم خبايا الأرض، وتقدير أماكن الثروات الطبيعية من نفط وغاز ومعادن.

 

هذه الثروات التي تكمن في باطن الأرض تحتاج إلى عيون خبيرة وعقول مدربة قادرة على استكشافها واستخراجها بأفضل الطرق وأكثرها كفاءة، لضمان استدامة هذه الموارد ودورها الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني.

 

قطاعات البترول والغاز والتعدين، التي تشكل جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، تعتمد بشكل كبير على الجيولوجيين المدربين، هؤلاء الخبراء هم العمود الفقري لعمليات الاستكشاف والإنتاج التي تقودها الشركات الوطنية والدولية في مصر.

 

ومن خلال معرفتهم الدقيقة بالجيولوجيا، يستطيع هؤلاء المتخصصون تحديد أماكن وجود الموارد الطبيعية وتقييمها، وتطوير استراتيجيات استخراج تلبي احتياجات السوق المحلي والعالمي.

 

عندما تقرر وزارة التعليم إلغاء مادة الجيولوجيا من المناهج الدراسية، فإنها في الواقع تتخذ خطوة قد تؤدي إلى تقلص قاعدة الخبرات المتخصصة في هذا المجال.

 

قد يبدو هذا القرار تقنيًا وبيروقراطيًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته تأثيرات بعيدة المدى على إعداد الكوادر المتخصصة التي ستتولى مستقبلًا مسؤولية الحفاظ على ثروات البلاد الطبيعية.

 

الطلاب الذين يدرسون الجيولوجيا في المرحلة الثانوية هم نواة المستقبل لقطاعات حيوية مثل البترول والتعدين، هؤلاء الشباب، الذين قد يُحرَمون من الفرصة لاكتساب أساسيات هذا العلم الهام، قد يجدون أنفسهم غير مؤهلين لدخول هذه الصناعات أو التفوق فيها.

 

هذا الخلل في التعليم قد يؤدي إلى نقص في الكفاءات المؤهلة، مما قد يجبر مصر على الاعتماد بشكل أكبر على الخبرات الأجنبية، وهو ما يضعف من سيادتها على مواردها الطبيعية ويزيد من تكاليف الإنتاج.

 

وسط هذا الزخم من التغيرات، يبرز تساؤل هام: كيف يمكن لوزارة البترول وهيئة الثروة المعدنية (المساحة الجيولوجية سابقاً) وهى من ضمن أقدم وأعرق الكيانات الجيولوجيا على مستوى العالم، وهما الجهتان المعنيتان بشكل مباشر بتطوير واستغلال الموارد الطبيعية في مصر، أن تقفا صامتتين أمام قرار قد يؤثر بشكل كبير على إعداد الكوادر التي تحتاجها هذه الصناعات؟ ألا يجب على هذه الجهات أن تتدخل للدفاع عن أهمية مادة الجيولوجيا كركيزة أساسية لتكوين الخبرات التي يعتمد عليها قطاعي البترول والتعدين؟

 

إن غياب أي رد فعل رسمي من هذه الجهات يُثير القلق والدهشة، فمن غير المفهوم كيف يمكن لهاتين الجهتين، اللتين تعتمدان اعتمادًا كليًا على الخبرات الجيولوجية في تطوير عمليات الاستكشاف والإنتاج، أن تتركا مجالًا لتقليص دور الجيولوجيا في التعليم الثانوي.

 

 

هذا القرار يأتي في وقت حرج، تسعى فيه مصر لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية في مجالات البترول والتعدين، وهو ما يجعل من الضروري أن يكون هناك موقف حازم وواضح للدفاع عن هذه المادة.

 

من الضروري أن تدرك وزارة البترول وهيئة الثروة المعدنية أن تعليم الجيولوجيا ليس ترفًا أكاديميًا، بل هو استثمار حقيقي في الأمن الاقتصادي الوطني، كما أن إهمال هذا الجانب قد يعرض البلاد لمخاطر كبيرة في المستقبل، حيث سيؤدي إلى تقليل الاهتمام بالعلوم الجيولوجية وتراجع عدد الخريجين المؤهلين للعمل في هذه المجالات الحيوية.

 

المطلوب الآن هو موقف قوي وواضح من الجهات المعنية للتأكيد على أن تعليم الجيولوجيا يجب أن يبقى جزءًا أساسيًا من المناهج الدراسية، على هذه الجهات أن تبذل كل ما في وسعها لضمان استمرار هذا العلم في تدريس الأجيال القادمة، باعتباره ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو المستدام.

 

في الختام، فإن الدفاع عن الجيولوجيا في المناهج التعليمية ليس مجرد مسألة تعليمية بحتة، بل هو قضية وطنية تتعلق بمستقبل مصر، إن الدور الحيوي الذي تلعبه الجيولوجيا في الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية وتطوير الاقتصاد الوطني يجعل من الضروري أن تتخذ وزارة البترول وهيئة الثروة المعدنية موقفًا حازمًا في هذا الشأن.

سيد الأبنودى

سيد الأبنودي، صحفي متخصص في مجال البترول والطاقة والتعدين، يتمتع بخبرة تمتد لمدة 19 عامًا في صناعة البترول، لديه خبرة غنية في مجال العلاقات العامة والإعلام، حيث قدم إسهامات قيمة وتقارير دقيقة تعكس تفاصيل الصناعة وتحدياتها _ Sayed El-Abnody, a specialized journalist in the fields of petroleum, energy, and mining, boasts a 19-year experience in the petroleum industry. He holds rich expertise in public relations and media, delivering valuable contributions and accurate reports that reflect the intricacies and challenges of the industry.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى