كلمة تأخرت واعتذار واجب في المؤتمر الحادي والستون لعلماء الجيولوجيا

لقد كنت على موعدٍ للمشاركة في فعاليات المؤتمر العلمي الحادي والستين الذي عُقد بهيئة الثروة المعدنية، وذلك تلبيةً لدعوة كريمة من سعادة الجيولوجي عمر طعيمة، رئيس الجمعية الجيولوجية المصرية.

وإذ كنتُ أتطلع بشغفٍ للوقوف بينكم في مستهل انطلاق هذا المؤتمر المرموق، والإسهام بكلمةٍ أعددتُها لهذه المناسبة العلميّة الرفيعة، فإنّ ظرفًا طارئًا خارجًا عن إرادتي قد حال دون وصولي في الوقت المحدد.

وإنني إذ أتقدم إليكم بكل أسفٍ واعتذار، أؤكد أن تأخري لم يكن إلا لانشغالي الشديد بأمرٍ لا طاقة لي بتجاهله، وما منعني عن الحضور إلا الشديد القوي من الظروف.

وإنني أُدرك تمامًا قيمة الوقت وجهودكم المبذولة في تنظيم هذا المؤتمر، فأرجو أن تتقبلوا اعتذاري راجيًا من الله أن تتاح لي فرصةٌ أُخرى لمشاركتكم تلك الأجواء الثرية بالحوار العلمي، ولأكون بينكم في المواسم القادمة بكل حماسٍ واهتمام.

وانطلاقًا من إيمانٍ عميقٍ بقيمة الأفكار وتداول المعارف، سأقوم بنشر الكلمة التي كنت أنوي إلقاءها خلال المؤتمر؛ مشاركةً وتقديرًا لكل من حرص على الارتقاء بشؤون العلم والمعرفة وخدمة قطاع الثروة المعدنية.

 

إلى الكلمة..

بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ للهِ الذي سخر لنا الأرض، وأودع في جوفِها ثروات لا تُعدُ، وجعل للعُلماءِ والمُجتهِدين دور في الكشف عن خباياها والاستفادةِ منها لِما فيهِ الخيرُ للإنسانيةِ.

السادة الحضورُ الكرامُ،

قياداتُ الجمعيةِ الجيولوجيةِ المصريةِ،

السادة العلماءُ والباحثون،

ضيوفُ هذا المؤتمرِ العلمي الحادي والستين…

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته.

نقفُ اليوم على أعتاب لحظة فارقة، لحظة تجمع بين الماضي العريق، والحاضر المتجدد، والمستقبل الواعد.

هذا اللقاءُ العلمي شاهد على مسيرة طويلة من العطاء، وهو منبر يجتمعُ فيه علماءُ مصر وروادُها في علومِ الجيولوجيا والبترول والتعدين، ليتبادلوا الأفكار، ويناقشوا التحديات، ويحددوا خطوات واثقة نحو التنمية.

إنني أقفُ اليومَ أمامكم، بصفتي صحفيًّا متخصصًا في البترول والثروة المعدنية، وشاهدًا على رحلة كفاح امتدت لسنوات طويلة، رحلة خاضها أبناءُ هذا الوطن، ممن أفنوا أعمارَهم في دروبِ الصحراء، وبين جبالِها الوعرة، في قلب الحقولِ والمناجم، يبحثون، يدرسون، يخططون، ويضعون أسس استغلالِ ثرواتِ مصر الباطنية بعلمٍ ودقة.

لقد علمني العملُ الصحفي، على مدى تسعة عشر عامًا، أن وراء كل كشفٍ جيولوجي، ووراء كل برميل نفطٍ، ووراء كل منجم ذهب، عقولًا جبارة، وأرواحًا صلبة، وقلوبًا مخلصة، هم علماءُ الجيولوجيا الذين وهبوا حياتَهم لهذا المجال.

رأيتُهم وهم يسيرون وسط الصحارى، تحت لهيبِ الشمس الحارقة، وبين الصخورِ القاسية، يدونون ملاحظاتِهم، يحللون العينات، يواجهون المخاطر، يتحدون العزلة، فقط لأجل أن تنهض مصر، ولأجل أن نستخرج ثروات هذا الوطن، ونحولها إلى مشروعاتٍ تُبنى بها المدن، وتُصنع بها المصانع، وتُضيء بها البيوت.

إن هذا الدعم الكبير يعكس مدى اهتمامِ الهيئة بالعلمِ والعلماءِ، وحرصِها على خلق بيئةٍ تحتضن الباحثين والمتخصصين، وتمكنُهم من مناقشةِ أفكارِهم وتبادلِ خبراتِهم.

كما أودُّ أن أتقدم بخالصِ الشكرِ والتقديرِ للدكتورِ الجيولوجيِّ عمر طعيمة، رئيسِ الجمعيةِ الجيولوجيةِ المصرية، ولأعضاءِ مجلسِه، على إتاحةِ هذه الفرصةِ القيمةِ للحوار وتبادلِ المعرفة، وعلى جهودِهم المتواصلة في دعمِ الجيولوجيين المصريين، إيمانًا منهم بأن العلمَ هو الطريقُ الأساسيُّ لتطويرِ قطاعِ التعدين والبترولِ في مصر.

لقد كانت هذه الدعوةُ الكريمةُ أكثر من مجرد لقاء، فهي تعبيرٌ صادق عن أن مصرَ تظل دائمًا حاضنةً لعلمائِها، وأننا جميعًا شركاءُ في بناء مستقبلٍ مشرقٍ لهذا القطاع الحيوي.

إن تاريخ مصر مع التعدين شاهد على حضارتها الممتدة عبر العصور، فقد كان الفراعنة الأوائل روادًا في التنقيب عن الذهب والنحاس والفضة، فشقوا الصحارى والوديان، واستخرجوا ثروات نفيسة أصبحت أساسًا لحضارة أبهرت العالم، ابتكروا أساليب لا تزال تثير دهشة المؤرخين والعلماء حتى يومنا هذا.

ومنذ أربعة آلاف عام قبل الميلاد، بدأ المصري القديم في استخدام المعادن لصنع أدواتٍ متنوعة، مما منح حضارته الأولوية في التطور بين الأمم، فكان التعدين عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

ومع ظهور الإسلام، ظلت مصر مركزًا للعلم والمعرفة، واستقطبت علماء التعدين من مختلف بقاع العالم، فاكتشفوا واستخرجوا وابتكروا طرقًا جديدةً أسهمت في تطوير هذا المجال.

وفي العصور الحديثة، عاد الاهتمام بالتعدين مع الحملة الفرنسية، التي كشفت عن ثروات مصر المدفونة وسجلت ملاحظاتٍ دقيقة عن إمكاناتها الجيولوجية.

ثم جاء عهد محمد علي باشا، الذي أرسل البعثات العلمية إلى أوروبا، واستقدم الخبرات الأجنبية، وبدأ في تنظيم الصناعة التعدينية بشكلٍ منهجي.

وهكذا، استمرت مصر، رغم التحديات، في السعي نحو استغلال مواردها، حتى أصبح قطاع الطاقة والتعدين ركيزةً أساسيةً للتنمية.

واليوم، تواصل مسيرة الجيولوجيا زخمها، لا سيما في مجالات البترول والتعدين، حيث تتجدد الفرص والتحديات.

ومن هنا، ومن موقعي كصحفي متخصص في هذا القطاع، أدعو معالي المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، إلى تعزيز دعم البحث العلمي ومد يد العون للجمعية الجيولوجية المصرية، لتظل منارةً للعلم والتدريب والتطوير، فالعلماء هم مفتاح ثروات مصر، واستثمار قدراتهم هو السبيل الأمثل لمستقبلٍ اقتصاديٍ واعد.

إن هؤلاء العلماء الذين ملأوا سجلات التاريخِ بتضحياتِهم وجهودِهم، ما بين العراءِ والجبال، يستحقون منا كل التقديرِ المعنويِّ والماديِّ، ويستحقون دعمًا إعلاميًا قويا يبرز إنجازاتِهم، ويتيح لهم مواصلة العطاء.

إن دعم البحث العلمي في مجالي الجيولوجيا والتعدين ضرورة وطنية، فهو الطريقُ المؤكدُ نحو تطوير هذا القطاع الحيوي وازدهاره.

فبالعلم وحده نرتقي، وبحثٌ علمي حقيقي يقف على أسسٍ متينةٍ كفيل بإحداث نقلةٍ نوعية في عمليات التنقيب والاستخراج.

أيها الحضور الكريم، لقد تعلمت خلال مسيرتي الطويلة في ميدان الإعلام المتخصص، أن قيمة الإنجاز العلمي لا تُستكمل إلا بنقل قصص النجاح، وترجمة الجهود البحثية إلى معلوماتٍ واضحةٍ تصل للجمهور وصناع القرار، تحفزهم على اتخاذ الخطوات الجادة في دعم هذا القطاع الحيوي.

وبذلك يرتقي الوعي الاجتماعي بأهمية المعادن والثروات النفطية، ويدرك الجميع أن مصر تملك كنوزًا هائلةً تسكن في باطن أرضها، وأن حسن استثمار تلك الكنوز سيجلب الخير والرخاء لبلادنا جميعًا.

إننا نعلق آمالًا كبيرةً على مخرجات هذا المؤتمر، راجين أن تصبح التوصيات والاقتراحات التي ستخرجون بها خارطة طريق قابلة للتطبيق الفعلي، وندعو الجهات المعنية كلها إلى الالتفاف حول هذه المقترحات ووضعها محل الاهتمام الفعلي، لتتحول -بعون الله وتوفيقه- إلى مشاريع وطنيةٍ تعزز مكانة مصر في المنظومة العالمية لصناعة التعدين والبترول.

ختامًا، أود التأكيد على أننا بحاجة مستمرة لتوحيد الرؤى وتضافر الجهود، فالنجاح لا يتحقق إلا بروح الفريق الواحد.

ولعل هذا المؤتمر المبارك يمثل خطوةً مهمةً على الطريق نحو تفعيل التعاون المنشود بين الدولة والعلماء والقطاع الخاص والإعلام والمجتمع بوجهٍ عام.

إننا إذا آمنا بقيمة العلم، وأخلصنا في خدمته، وسخرنا إمكاناتنا لتحقيق أهدافه، سنرى ثمارًا طيبةً تبرز في كل محاور الاقتصاد والتنمية.

تحيةً لكل جيولوجي أفنى عمره في سبيل هذا الوطن،

تحيةً لكل عالمٍ ترك بصمته على خريطة مصر الجيولوجية،

تحيةً لكل شاب طموح يسعى لأن يكون جزءًا من هذه المسيرة العظيمة.

شكرًا جزيلًا لحسن استماعكم، وبارك الله في جهودِكم، ووفقنا جميعًا، وحفظ الله مصر وشعبَها وجيشَها وقيادتَها الحكيمة، وجعلها دائمًا منارةً للعلم والتقدم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيد الأبنودى

سيد الأبنودي، صحفي متخصص في مجال البترول والطاقة والتعدين، يتمتع بخبرة تمتد لمدة 19 عامًا في صناعة البترول، لديه خبرة غنية في مجال العلاقات العامة والإعلام، حيث قدم إسهامات قيمة وتقارير دقيقة تعكس تفاصيل الصناعة وتحدياتها _ Sayed El-Abnody, a specialized journalist in the fields of petroleum, energy, and mining, boasts a 19-year experience in the petroleum industry. He holds rich expertise in public relations and media, delivering valuable contributions and accurate reports that reflect the intricacies and challenges of the industry.
زر الذهاب إلى الأعلى