هالة الدسوقي تكتب زبانية العذاب وأصعب ليالي عمري

من شهر تحديدا .. عشت أصعب ليلة في حياتي فقدت فيها قطعة من روحي .. وانتقلت أمي فيها الى رحمه الله تعالى.

وفي تلك الليلة التي اتشحت بالسواد ..وتلاطمت فيها أفكاري .. واضطربت بها مشاعري .. وفزعت فيها أحاسيسي .. وفقدت فيها الوعي بالمكان والزمان .. قابلت وجوه كالحة وقلوب فارغة من كل معنى يتصل بالرحمة والإنسانية.

وأخيرا استجمعت نفسي وأردت أن أكتب عن هؤلاء ..

أولا ..أتيت بطبيب خاص إلى المنزل، عندما ثقل المرض على أمي بدرجة لا أدرى معها ما تعانيه، والذي اشترط مبلغا كبيرا من المال على دقائق معدودة وأن يستلمه قبل الانتقال خطوة من عيادته، وافقت، ولكنه قبل ان يأتي معي إلى البيت، حضرت حالة للعيادة لأظل منتظرة تحركه معي، ولكنه لم يريد ان يضيع الـ200 جنيه قيمة الكشف، فأخرني عن أمي التي تحتضر من أجل 200 جنيه، هذه نوعية لا تقنع ولا تشبع من الفلوس ولا يهمهم حي أو ميت.

وبعد ان تفضل وانتهى من فحص الحالة حضر معي للمنزل وأوصى بنقل أمي إلى المستشفى .. لكي أواجه نوعا آخر ممن يطلقون عليهم “ملائكة الرحمة”، والتي تحولت إلى زبانية عذاب، فتلك النوعية حرقت دمي وأدمت قلبي على أمي .

وصلت بأمي ليله 22 من ديسمبر مستشفى العجوزة، وهي مستشفى من الاتساع، الذي لا أصدق معه ما قاله لي الطبيب المناوب وقتها، “أن بها فقط خمس أسره للطوارئ” ..فقط .. ولا مكان لأمي في الطوارئ.

وما كان مني سوى أن أناقش ..وأمي في حالة يرثى لها .. والطبيب لا يتحرك من علي كرسيه قد أنمله واحدة .. ولم تهتز به شعرة لما أعانيه وما تعانيه والدتي، وظللت أردد : “طب حضرتك شوفها .. اكشف عليها” وهو رافض وطقم الموجودين بجواره لا يحركون ساكنا فقط ينظرون لي ببرود مميت .. ولا يهتمون .. ولا يتحركون .. ولا حتى يتعاطفون.. وكأن صدورهم تلك لا تحتوي على قلوب.

وقتها أتصلت بمسئول مشروع العلاج بنقابة الصحفيين المحترم محمد الجارحي، والذي تحدث لمدير المستشفى رأسا، الذي بدوره وجه المناوبين لفحص والدتي، وفي برود تام ورغم توجيه المدير.. جاءت رئيسة الممرضات ببطء مقيت لتٌدخل أمي في حجرة فحص . وتركب في أصابعها بعض المشابك الخاصة بجهاز قياس ضربات القلب ونسبة الأكسجين .. وتركتنا وغادرت ولا أحد يسأل .

رأيت أن الجهاز لا يعمل فبحثت عن أحدهم .. وجاءت رئيسة الممرضات بعد فترة وعدلت المشابك في أصابع أمي، وسألتها :”فين الدكتور” .. فردت ببرودها المقيت “جاي دلوقتي”.

وبعد فترة لا أعي قدرها ..جاء الطبيب، الذي لم يتحرك من على كرسيه منذ البداية .. ليراقب الجهاز .. ويقول : “اه .. نقص أكسجين  .. بس برده معندناش أوض فاضية !!.. انقليها أي مستشفى تاني” .. وغرقت في بحور الحيرة .. ماذا أفعل يا ربي ؟! والوقت يسرقنا وحالة أمي تزداد سوءً.

اتصلت بالإسعاف، والتي طلبت مني تحديد وجهتي بأمي ..إلى أي مستشفى .. ومن هو الطبيب الذي سوف يستلم الحالة ..

وتعجبت كيف لي أن أعرف تلك المعلومات في هذا الموقف الحرج !!.. قلت له :”سوف اتوجه بها لمعهد ناصر ولكن لا أعرف طبيب محدد” .. قال :”مينفعش لازم اسم دكتور”.. قلت :”عندكم في عربة الإسعاف أكسجين” .. قال :”نعم ” .. قلت :”فقط أريد أكسجين لأمي .. وبعدها نفكر كيف نحصل على اسم الطبيب .. رفض المسئول عن الإسعاف اقتراحي.. وقال :”سوف ألغي بلاغك” .. ببساطة شديدة !

وهنا .. نقلت أمي إلى معهد ناصر بالسيارة التي كانت برفقتنا .. وهناك استلموا أمي، ولكن بعد ان انقطع الامل في حياتها وصعدت روحها إلى بارئها تاركة دنيا الظلم والقهر وانعدام الرحمة.

أعلم جيدا .. انه قدر .. وأنها ساعة أمي، رحمها الله واسكنها فسيح جناته ، وهو ما جاء في كتاب الله العزيز “إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ” ..

ولكن نوعية الأطباء التي قابلتني في تلك الليلة زادت من مصيبتي ..وأوجعت نفسي ..وعذبت روحي ..وأكدت لي أن مفهوم الرحمة لم يعد موجود ا في قاموسهم، فهم ما بين مادي ..وقاسي القلب ..وفاقد للإنسانية، ويستحقون بجدارة وصف زبانية العذاب ..وحسبنا الله ونعم الوكيل.

hala El Desouki

"هالة الدسوقي .. صحفية ورسامة الكاريكاتير.. خريجه كلية الإعلام جامعة القاهره.. وخبره ٢٠ عاما في العمل الصحفي.. عملت في أكثر من موقع منها موقع محيط وعشرينات وجريدة المصريون
زر الذهاب إلى الأعلى