هنا .. منذ عشرين عاما

هنا .. منذ عشرين عاما

هالة الدسوقي

اقترحت على أولادي الخروج ثالث أيام عيد الأضحى المباركـ .. ولنجنب فكرة مخاصمة الخروج وقت الزحام ..فالفرحة كثيرا ما تكون محسوسة وذات صدى وسط الناس ..وسط الكثير والكثير من البشر.

وقد اخترت لهم أحد المولات الشهيرة التي تقع على كورنيش النيل لزيارته..وهذا المكان كان المكان المفضل لي ولأصدقائي منذ عشرين عاما .. فكنا نذهب إلى هناك كلما خنقنا الملل وبحثنا عن متنفس .. أو أردنا النزهة وتغيير روتينا اليومي، فنذهب له لنأخذ جولة على محاله، نتأمل الألماظ ..ونستعرض الملابس ..وفي النهاية لا مانع من شراء قطعة أو قطعتين من “كل حاجة بـ 2.5 جنيه” .. أشياء لطيفة و”على أد الأيد”.

وانطلقنا متوجهين إلى مقصدنا على كورنيش النيل في طريقنا للمول، وهنا مر بي قطار العمر على محطات لا تنسي ومستقرة في الذاكرة لا تكاد تغادرها .. فبداية من الكورنيش تتراءى لك بريق الأيام الماضية .. فهذا المخلوق الجميل لك صديق سواء كنت وحدك أو مع صحبة .. فهذا السحر حقا سحر نهر من أنهار الجنة .. فتفاصيله تخلب لبك وتذهب بعقلك إلى أجواء حالمة .. يخلقها مياهه الصافية وهواءه العليل الذي يلامس وجهك برفق وينسيك في لحظات أحزانك وينقي نفسك من الضغوط.. وهكذا الأمر فالنيل كان ولازال وسوف يستمر عشقي .

أما المحطة الثانية لقطار العمر فكان مبني الإذاعة والتليفزيون المميز الطراز .. وهو المبني الذي يحلم بالانتماء إليه طلاب كلية الإعلام .. وأنا واحدة منهم .. ولكن الأمر كما تعودنا محسوم !.. فالواسطة سيدة الموقف في العمل بهذا الصرح، وأذكر أن إحدى صديقاتي جلبت لي جواب للتدريب داخل مبني التليفزيون .. وأذكر جيدا أنني لم أذهب سوى ليوم واحد ، ولم أكمل مدة التدريب وقتها.. ولم يكن هذا أخر عهدي بهذا المبني فقد ذهبت إليه مرة أخرى للاختبار للقبول بأحد الوظائف المعلن عنها لخريجي إعلام.

ودخلت ضمن عدد من الخريجين ..ولم يخبو لدينا الأمل رغم أن الأمر “محسوم مسبقا” .. والكل يعلم أن تلك الإعلانات “تحصيل حاصل”.. فالمعينين معروفين قبل ذلك .. ولكن الإعلان عن الوظائف المتاحة شرط قانوني للتعيين لهؤلاء.

وأذكر أني دخلت للاختبار ..وجلست على الطاولة التي يجلس عليها الأساتذة الذين يقومون باختبارنا .. ثابتة واثقة غير متلجلجة .. رغم أني أخاف الاختبارات ..فلم أكن أحب أبدا الامتحان الشفوى .. فالمواجهة كثيرا ما كنت أهابها ..وأخاف من فشلي في الإجابة .. وهي أزمة داخلية .. اختفت يومها من داخلي .. وجاوبت وكلي ثقة من إجاباتي .. بل وجهت سؤال للجنة المتراصة على جانبي الطاولة قائلة : “في أمل ؟”.. فرد جميعهم بحماسة أرعبتني “الأمل في الله “.. فرددت “ونعم بالله” … وبالطبع لم يرسل لي أحد.

ثم مررنا بأحد فنادق القاهرة الفاخرة، والتي حضرت بها يوما “مؤتمر الذهب العالمي”، وهو يوما لا أنساه أبدا .. فهناك عالم مختلف عن عالمي على الأقل ..وعالم البسطاء .. هناك على الطرف الآخر عالم الأثرياء، ولا حسد .. عالم له بريقه ولمعانه .. وقلت لزملائي يومها أستطيع أن استخرج كل الصحفيين في هذا المؤتمر واحد واحد.. أما ملاك الذهب فهم “مميزون .. يلمعون” .. بأزياءهم الفاخرة وأشكالهم الجذابة ..فالبدل شديدة السواد .. والقمصان أسفلها ناصعة البياض، أما عن بشرتهم فهي متألقة نضرة بيضاء مختلطة بحمرة، وحتى أحذيتهم شديدة اللمعان .. والخلاصة أنهم قوم شديدو الجمال والأناقة.

ومحطة أخرى مررنا بها .. عشنا فيها الكثير من الأيام .. فكنا نذهب قبل مواعيد العمل بها ولا نخرج إلا أن يشير علينا الموظفين بذلك.. وهي “دار الكتب والوثائق المصرية” .. فكنا طلاب قسم الصحافة – كلية الإعلام – جامعة القاهرة .. مستقرنا أما في “المكتبة” أو “دار الكتب” أو”المجلس الأعلى للصحافة” بين صفحات الكتب والجرائد لعمل الأبحاث الكثيييرة في كل مادة، ونخرج وأيدنا تتشح بالسواد من أثر تصفح الجرائد القديمة..

وقسم الصحافة كان الأصعب بين أقسام كليتنا التي أعشقها بشدة .. وكنا نذهب للكلية ..وينادي علينا زملاءنا من قسم الإذاعة أو العلاقات العامة، ليلومونا أننا مررنا من أمامهم دون أن نلقي عليهم السلام .. فكنا نرد عليهم بأننا “لم نعد نرى أمامنا” .. ولكننا تخرجنا ونحن ” صحفيون متميزون”..

محطات مر بها قطار العمر .. ليفاجئنا بأننا أصبحنا في منتصف العمر .. وأن تلك الأيام الجميلة كانت لها صعوباتها .. ولكنها ليست بصعوبة تلك الأيام التي واجهنا فيها الواقع بمعاركه الكثيرة ومسئولياته الثقيلة.

hala2662007@gmail.com

hala El Desouki

"هالة الدسوقي .. صحفية ورسامة الكاريكاتير.. خريجه كلية الإعلام جامعة القاهره.. وخبره ٢٠ عاما في العمل الصحفي.. عملت في أكثر من موقع منها موقع محيط وعشرينات وجريدة المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى