وظل هذا .. فانوسي المفضل
هالة الدسوقي
مع كل رمضان كان يأتي .. ونحن صغار .. كنا ننتظر شراء الفانوس وكنا وأخوتي وأبناء الجيران يشتري لنا الأهل الفوانيس “أم بطارية” لتضيء لمباتها ونظل نردد “رمضان جانا .. وحوي يا وحوي”، طيلة الليل ونحن نجري في دائرة بصحبة إضاءة فوانيسنا .
وكانت هناك واحدة من أبناء الجيران تملك فانوس فريد من نوعه، وهو الفانوس أبو شمعة “الفانوس الصاج”، ذو الألوان المبهرة والتكوين الفني الرائع .. هكذا كنت أراه .
وعلى الرغم من أن بعض أصحابنا كانوا يعتبروه قديما نوعا، إلا أني كنت أراه أجمل الفوانيس ، وكنت أتأمل تلك الفتاة وهي تفتح أحد جوانبه لتضع به الشمعة المضاءة وتتحرك به بحرص حتى لا تنطفى الشمعة سريعا.
ولعل سر انجذابي لهذا الفانوس تحديدا، يأتي من منطلق الحنين للماضي ولكل ما هو قديم أصيل .. وهكذا حال الكثيرين من أبناء جيلي .. الحنين للماضي لا يكاد يفارق مخيلتهم، بل إن تذكر الأيام الماضية تملأ قلوبنا بالسعادة الغامرة، ولا تتركنا إلا وقد وصلت ضحكاتنا عنان السماء.
وقت ما كانت كل أسرة متماسكة مترابط أفرادها يستظل فيها أبنائها الصغار تحت أجنحة آباءهم يعيشون مع أحلامهم الصغيرة البرئية.
في ظل جو عائلي دافئ وحياة بسيطة ليس بها زحمة التليفونات المحمولة ولا يُسمع فيها أصوات الإشعارات التي لا تنقطع ليلا ولا نهارا من مجموعات ومواقع تواصل وخلافه.. حياة تخلو من كاميرات تسجل كل لحظة وكل حركة وكل طبخة وكل نقله وووو .. حياة تخلو من جنون الموبايلات.
حياة تخلو من آلاف القنوات التليفزيونية التي لا تغلق ليلا ولا نهارا، بل تحتاج لعشرة أعمار فوق عمر الفرد لمتابعتها، وكان كل ما هنالك 3 قنوات لها ميعاد للبدء وميعاد للإغلاق لتظل الحياة بسيطة ومرتبة وحالمة ..أفرادها متحابة متقاربة.. حياة خالية من التشتت والتوحد والإنغلاق على النفس والتحليق في سماء الفضاء الإلكتروني .. إنها حياة حقا تستحق أن نشتاق إليها ولا تفارق مخيلتنا روعتها.