هالة الدسوقي تكتب: وداعا .. السودانية الطيبة

هالة الدسوقي

رأيتها جميلة الأخلاق .. راقية التعامل .. كاملة المروءة .. جزلة العطاء..

تتصرف بتواضع وتساعد الغير بسعادة وتؤثر على نفسها، حتى وإن كان من تساعده لا تعرفه .. تلك الأوصاف ملخص لطبيبة سودانية قابلتها في إحدى المرات بأحد المستشفيات الجامعية بالقاهرة خلال رحلة علاجي لابني المصاب بالتوحد.

كانت مرة واحدة التي قابلتها فيها .. شاطرتني وقتها همومي .. وذابت في تفاصيل حيرتي .. وشاركتني أفكاري .. وفكت كثير من ألغاز ذهني.

ولم ينتهي لقائي بها خلال عيادتها بل أصبحت المرشد لي في ذلك اليوم، دلتني على خطوات متابعة حالة ابني، وصاحبتني خطوة بخطوة .. تحدثت مع الأطباء بدلا مني .. وحجزت لي مواعيد مقابلتهم، ولم تتركني قط .. إلا عند انتهاء يومي في تلك المستشفى.

هذه الطبيبة السودانية الراقية هونت علي الكثير في هذا اليوم الشاق، وأثبتت لي صحة نظرية: “أن هناك مازال بشر يعطون بلا مقابل .. يشعرون بآلامك .. بل وينخرطون داخل أحزانك .. يشاطرونك أحاسيسك الغامضة .. ويسعون في حل مشكلاتك، التي تظن في وقتٍ من الأوقات تظن أنها بلا حل ..

وبفضل تلك السيدة الكريمة التي أعطتني اهتمام لم أكن اتخيله .. علمت أن هناك “من يؤثرون على أنفسهم”  ..

وحتى الآن لم تغادرني .. بل تسأل دائما عني وعن ابني .. تلك النبتة الطيبة  كانت حصاد لأم صالحة من المؤكد أنها كانت نبيلة .. كريمة الأصل .. رفيعة الأخلاق .. لكن أم الطبيبة للأسف راحت ضحية الصراعات المقيتة في السودان، انتقلت إلى رحمة الله بعد حادثة تسمم المياه، بالهلالية بوسط السودان.

كيف لهؤلاء الطيبين أن يرحلوا بمكائد وصراعات ودم بارد دون ذنب اقترفوه، فهم ضحية لمجموعة من الرعاع لا يرعون في الآمنين إلا ولا ذمة.

وكانت تلك السيدة الطيبة تعيش بمنطقة الهلالية بوسط السودان، التي حاصرتها قوات الدعم السريع قتلت خلالها أكثر من 200 شخص، بينما توفي البعض الآخر بسبب تسمم المياه، والذين تخطى عددهم الـ 600 حالة.

وكالعادة لعبت الخيانة دورها القذر في تلك الحادثة، حيث أدخل قوات الدعم السريع إلى الجزيرة شخص يدعى “كيكل” وهو من البطانة “شرق الجزيرة”، وذلك بعد أن أبعد أهله وأسرته عن الجزيرة.

وكما هو معروف إعلاميا، تم تسميم البئر الموجودة بالجزيرة، لتبين بعد تحليلها أن هناك من سممها بمادة الزئبق السامة.

ورغم التعتيم الإعلامي عما يحدث بالسودان الشقيق، إلا أن قوات الدعم السريع ارتكبت كافة الجرائم الوحشية التي يندى لها الجبين في السودان عامة وضد سكان الجزيرة الآمنين في تلك الحادثة، وذلك بعدما لجأ الناس لمسيد خلاوي قرآن، وهي ساحات تتوسط الأحياء بجوار المساجد لتحفيظ القرآن الكريم بعدما أُغلقت المدارس عقب الحرب الدائرة بالبلاد.

ما يحدث في السودان أصعب من الوصف، فالسودانيات يعانين الآمرين من هؤلاء الهمج، الذين يعتدون على الأطفال والنساء مما يدفعن للانتحار جماعات، بينما وسائل الإعلام تغط في نوم عميق.

كاريكاتير - السودان يستغيث - السودان- السودانيات - الدعم السريع - هالة الدسوقي

الأمر يا سادة أصبح لا يطاق .. صرعات أحاطت بوطننا العربي من كل جانب أدمت قلوبنا، فتشققت حزنا وكمدا على فلسطين ولبنان وسوريا ولبنان واليمن والسودان، وضحية كل تلك الصراعات الأبرياء، الذين “لا ناقة لهم فيها ولا جمل”.

صبر الله قلوبنا على رحيل كل هؤلاء الأبرياء .. ورزق ذويهم الصبر والسلوان ..اللهم أجعل لمن تبقى من المستضعفين في الأرض فرجا قريبا ونصرا عزيزا مؤزرا على الظالمين المعتدين.

 

hala El Desouki

"هالة الدسوقي .. صحفية ورسامة الكاريكاتير.. خريجه كلية الإعلام جامعة القاهره.. وخبره ٢٠ عاما في العمل الصحفي.. عملت في أكثر من موقع منها موقع محيط وعشرينات وجريدة المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى