قفا الحلاقة !

قفا الحلاقة !

هالة الدسوقي 

[email protected]

قفا الحلاقة .. مصطلح اتفق عليه الأولاد الصغار في المدارس، فيتم الترحيب بمن تجرأ وفكر في أن يحلق شعره بالسلامات الكثيرة “الحارة”، ولكن ليست بيد تصافح أخرى، ولكن بيد تصفع قفا !! والطفل وحظه ..هل من يريدون الترحيب واحد أم مجموعة !!.

وتتحول فكرة الحلاقة إلى كارثة لعدم مقدرة الطفل، الذي ارتكبها، على صد الضربات المتتالية على قفاه، وهذه الأجيال الصغيرة ..”أجيال التك توك” تصطنع الظرف بأي طريقة وتعشق “التنمر”، فأصبح لديهم غاية يبحثون عنها قولا وفعلا.

ولا أبالغ .. حينما أقول أن المدارس تعج الآن بالمتنمرين، ففكرة الظن بوجود طفل “ضعيف” أو “خائف” تكون البداية لفتح باب من الإيذاءات المتلاحقة لهذا الطفل، ويجد المتنمر لذه في التعرض له لفظا أو بالإيماءات والسخرية منه، أو بالضرب وهو الفعل الشائع بين الأولاد وبعضها.

ومن المؤسف أن الأمر قد يتعدى المعقول وتقع حوادث تنتهي بقتل الطفل الأضعف أو الواقع عليه التنمر، وقد حدثت أكثر من واقعة بهذا الشكل وكلنا قرأنا عنها، وقد حكت لي إحدى صديقاتي وهي لا تكاد تستطيع تقبل الفكرة أو أن تصدق.. أن ابن خالها “الطيب”، الذي يصفه البعض بكلمة “غلبان”، وكان في المرحلة الثانوية “قُتل” .. “تنمرا”.

وكان زملاؤه قد تعودوا على السخرية منه وضربه بشكل يومي، حتى جاء اليوم الذي فارق فيه الحياة على يد هؤلاء المتنمرين فقد اجتمعوا عليه وضربوه حتى الموت، وتسبقها دموعها سألتني..”هو الطيب قتله سهل كده؟ وليه يقتلوه عشان طيب؟ أنا لغاية انهارده مش مصدقة أنه مات؟”..فاجعة كبيرة ومصيبة أكبر أن يكون الطيب في مهب ريح العنف ..والتهديد بالقتل .. بل ووقوعه في بعض الأحيان.

ولعل التنمر في المدارس الآن أصبح “عملة رائجة” والعنف أصبح “لعبة”.. فعند زيارتي لمدرسة ابني كنت أحاول على قدر المستطاع الانتباه، حتى لا يصطدم بي أحد الأولاد أو البنات أو يوقعني أرضا.. فأمشى في وضع الاستعداد لصد أي هجوم وأن أمد يدى للأمام لأصد اندفاعهم وجريهم في كل اتجاه للنيل من بعضهم البعض..وقد شاهدت بنفسي تنمر الفتيات أيضا، حيث جرت إحداهن على صديقاتها وجرتها من شعرها .. وهي “تضحك” ؟!

وفي المقابل نجد هناك بعض المدرسين متنمرين.. فهذا يجر تلميذته من شعرها ..وآخر لا يجد عصاه فيضرب تلميذه على قفاه .. وآخر يشتم ويسب التلاميذ .. إلخ!!

وللإنصاف .. أرى أن الأطفال ضحيتننا نحن “الكبار”.. فهل نخلو نحن البالغين من العنف ؟ وهل نفوسنا لا يشوبها التنمر ؟ الواقع يؤكد أن الإجابة لا .. بل أن عنف الأولاد نابع من عنف الآباء أو أسلوب حياتهم “المتهكم” .. “الساخر” .. “المتنمر”.

ولنتأمل في طرفي المعادلة للحياة الزوجية .. زوج وزوجة .. فنلمس في حالات ليست بالقليلة في مجتمعنا اليوم .. تجيد التعامل “من تحت الضرس” أو بمنطق “التلاكيك” أو من منطلق “التنمر” ضد الطرف الآخر، فنجد الزوج المتنمر في مواجهة زوجة يراها “الأضعف” ..أو في بعض الحالات يكون الوضع معكوس فنرى زوجة متنمرة ..والزوج هو الضحية.

وهذه الصورة تنعكس بشكل أو بآخر داخل عقول أطفالنا ليصدروها بدروهم لمن حولهم بداية من الأسرة حتى زملائهم في المدرسة أو حتى في حق مدرسيهم ..

وأرى أنه على كافة المستويات في المجتمع سوف تتعرض لأحد المتنمرين، فهناك الدكتور “المتنمر” .. ونراه خاصة في المستشفيات الحكومية..فأحيانا تجد هذا الطبيب “الرافض” للرد على أسئلة المريضة أو المريض والذين ينتمون إلى “قطاع البسطاء”، بل يرفع صوته عليه في بعض الأحيان أو قد يصفه بـ”الغباء” عندما يستفسر عن الدواء أو حالته، وفي المقابل يصمت المريض “الغلبان” ويتوجه “خافضا رأسه” “محترقا داخله” لصيدلية المستشفى للحصول على وصفة الطبيب دون مراجعة منه، والتي قد يسخر له سوء حظه بداخلها “متنمر” أو “متنمرة” أخرى .. تتعمد عدم الرد على سؤاله أو وصف الدواء سريعا دون اهتمام.

وفي الطريق .. تصادف بعض هؤلاء فمعك في المواصلات ترى هذا “المتنمر”، وهو يتحين الفرصة لاصطيادك واختلاق مشكلة معك .. فهناك نسبة لا تُنكر “تعيش على أعصابها” .. وتحارب من حولها بتنمرها وعنفها.
وتساءلت لماذا العنف والتنمر أصبح موجود بنسبة ملحوظة في مجتمعنا ؟!.. وتوجهت بسؤالي للدكتور جمال فرويز، استشاري المخ والأعصاب والصحة النفسية بسؤالي .. فرد علي برد فاجأني .. أن ظاهرة التنمر والعنف “طبيعية” .. تساءلت كيف ذلك؟ ..

فأجاب: أن السر يكمن في “الانخفاض الثقافي”، فنحن ببساطة تخلينا عن أخلاقنا وعاداتنا وقيمنا التي تربينا عليها.. فقديما كانت الأخلاق عنوان تعاملاتنا سويا، فعلى سبيل المثال قديما لم تكن امرأة ترتدي الحجاب ولكن لا أحد يتعرض لها ولا حتى ينظر إليها، أما الآن فقد تعرضنا لثقافات دخيلة علينا فلم نستطيع “تطبيقها مضمونها ولا أبقينا على ما كنا عليه”، فأخذنا القشور والمظاهر من تلك الثقافات مخلفين وراءنا الأخلاق – كالثقافة الوهابية مثلا –

وردا على سؤالي بخصوص السوشيال ميديا والتك توك، وكل ما يتعلق بالتليفونات المحمولة التي لا تفارق أيدينا، فأجاب: أنها وبالطبع لها تأثير كبير، وهو ما دفع بعض الشباب للسخرية من الصلاة مثلا !! وظهور فتيات العرى من أجل الربح وهكذا .. فتأثيرها لا ينكر بل أنها بالغة الأثر.

وما استقر في عقلي .. هو أن الحل في يد الكبار، فعليهم أن يصونون أدبهم ويعودون إلى الأخلاق..ويلاحظون تعاملتهم مع من حولهم “قريب أو غريب” .. ليرى الصغار نماذج حية لأخلاق رفيعة تدفعهم إلى تقليدها .. وبالتالي يتعدل سلوكهم .. وبالوقت ..يختفى من حياتنا العنف والتنمر.

hala El Desouki

"هالة الدسوقي .. صحفية ورسامة الكاريكاتير.. خريجه كلية الإعلام جامعة القاهره.. وخبره ٢٠ عاما في العمل الصحفي.. عملت في أكثر من موقع منها موقع محيط وعشرينات وجريدة المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى