واتسع قلبه للكون .. صلوا عليه وسلموا تسليما
هالة الدسوقي
المحبة أجمل ما وضعه الله في قلوب الكائنات .. وبها تزول الهموم ..وتتلاشى الصعاب ..وتتلون أحوال الدنيا ..وتزهر الأفئدة .. وتقوى الأجساد .. وتطول الأعمار .. وقد قيل فيها”: مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها . قيل : وما أطيب ما فيها ؟
قال: محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته “.
فالمحبة أعظم قيمة تنبت في قلب إنسان، ومن حاز قلبا كقلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. قلب اتسع للكون كاملا .. ولذا قصص المحبة لا تنتهى بصحبته .. فبعثته رحمة ومحبة من الله للخلق أجمعين.
وقد اتسع قلب رسولنا الحبيب ، صلى الله عليه وسلم، للأحياء والأموات .. للمسلم ومن ليس على الديانة .. للبشر والجماد.
وكان أصحاب رسول الله يشعر كلا منهم بأنه أحب الناس إلى الرسول الحبيب، ولذا سأله عمرو بن العاص من أحب الناس إليك ظنا منه أنه قد يكون هذا الشخص .. وكلنا نعلم أن عمرو دخل الإسلام في السنة الثامنة للهجرة أي أن مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم كانت قصيرة نسبيًا، إلا أنه شعر بتلك المحبة النادرة.
ولم يتردد الحبيب، صلى الله عليه وسلم، في الإعلان عن حبه الجم لزوجته عائشة، رضي الله عنها، بل أعلن أمام الجميع أنها أحب الناس إليه.
وكما للأحياء كان للأموات محبة دائمة .. فلم تغادر محبة الرسول، صلى الله عليه وسلم، للسيدة خديجة، لقلبه يوما، وظلت ذكراها في قلبه وعلى لسانه فكان دائمًا يذكرها، حتى أن عائشة – رضي الله عنها – كانت تغار من ذكره المستمر لخديجة. حيث قالت: “ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة.”
محبة دون استثناء .. نعم كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يحب الجميع، حتى من ينفر منه الناس كما جاء في قصة زاهر بن حرام الأشجعي، وكان رجلا دميما، ولكن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم له كانت مختلفة، وهو ما تظهره تلك القصة.
رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضن زاهر وهو يبيع في السوق، من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل أرسلني من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد أوقال لكن عند الله أنت غال.
وللجماد نصيب .. نعم محبة الرسول ورحمته شملت الجماد أيضاً، وكلنا يعلم قصة جذع النخلة الذي كان يقف عليه رسول الله أثناء خطبه، وانتقل بعدها للخطبة على منبر اقترح الصحابة بناءه له، فسمع الجميع الجذع القديم يئن ويبكي بصوت مسموع كما يئن الطفل. وهنا توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الجذع واحتضنه حتى هدأ وكف عن البكاء.
حتى المنافقين لم يُقفل قلب رسولنا الكريم دونهم بل حرص عليهم، حيث جاء في كتاب الله العزيز :(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)، لوْ أعلَمُ أنِّي لوْ زِدتُ على السبعينَ غُفِرَ لهُ لزِدْتُ.
بل أنه اشتاق للغائبين، اشتاق الرحمة المهداه لمن تبعه من أمته ولمن يراه، فقال فيهم عليه أفضل الصلاة والتسليم :”ودِدْتُ أنِّي قد رأيْتُ إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم (متقدمهم) على الحوض) رواه مسلم.
والله حاز نعيم الدنيا من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وشاهد أجمل وأكمل الخلق أجمعين .. وتمتع بصره برؤية قده .. وطرب لسماع صوته .. ونعم بحبه وعطفه ..وعاصر فرحه وشاركه حزنه .
اللهم ارزقنا رؤية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم .. وأنعم علينا بمرافقته في الجنة.