“اللي يضربك إضربه” .. مشكلة أم حل ؟

“اللي يضربك إضربه” .. مشكلة أم حل ؟

هالة الدسوقي

[email protected]

كل عام وأنتم بخير.. عام دراسي سعيد على الجميع يحمل بين طياته كل خير لأبنائنا ولنا جميعا..

ومع قدوم العام الدراسي الجديد لا يقتصر الأمر على المذاكرة والدروس فقط، فهناك علاقات إنسانية كثيرة يعيشها أولادنا في مدارسهم ومواقف كثيرة بين الطلاب ومدرسيهم والطلاب وبعضهم البعض، والتي قد تحمل في طياتها حتما بعض المشكلات والتي توصف في بعض الأحيان بـ”العنف”.

وهي مواقف واجهتني شخصيا..ففي يوم من الأيام توجهت لاصطحاب ابني من مدرسته، وكان وقتها في “بيبي كلاس”، فوجده في حالة يرثي لها ..يبكي بكاء شديدا ..ودموعه تملأ وجهه الشديد الإحمرا.. تسارعت دقات قلبي، وسألته “إايه اللي حصلك ؟” .. خنقته العبارات، ولم أفهم منه كلامه المختلط بالبكاء شيئا، ولكن ما فهمته إشارة يده الصغيرة نحو أحد زملاءه في الفصل.. وهنا فهمت القصة، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى.

وكانت المواجهة بيني وبين معلمة الفصل.. بعد أن صممت على أن يضرب إبني الولد الذي قام بضربه..خاصة أنها لم تكن المرة الأولى كما أوضحت..

وكان الحوار الآتي :

حضرتك كنتِ فين يا مس ، لما الولد ضربه؟

  • موجودة في الفصل طبعا.

طب إزاي يضربه وإنتِ موجودة ؟

  • على فكرة الولد ده بالذات شقى .. وبيعمل كده مع أولاد كتير مش مع إبنك بس.

ودي مشكلة أكبر، يعني الولد بيضرب الكل في وجودك، ومش بتعقيبه وبالتالي هو مستمر في عنفه!!

  • أنا زعقت له .. ومش هضربه لأن الضرب ممنوع.

جميل ..مفيش عقاب .. يعني هيستمر في ضرب الكل ولا همه.

وهنا توجهت لابني وأمرته بضرب الولد .. لكنه خاف من معلمته، التي قالت لي:.

  • حضرتك كده هتقلبيلي الفصل فوضى .

تفتكري إنه مش فوضى !!

أنتهت المناقشة بيني وبينها دون الوصول لحل، سوى أن أعصابي ظلت تغلي لمنظر ابني “الضحية”، وانطلاق الطفل “المعتدي” فرحا مسرورا.

وأحب أن أوضح .. لست من أنصار العنف نهائيا، ولكن أي شخص طبيعي في مكاني سوف يتعامل بنفس منطقي.

وبدأت معاناتي مع طفلي.. :”اللي يضربك إضربه.. خاصة انت معملتلوش حاجة”

  • لأ يا ماما .. أنا خايف من المس.

طب الولد اللي ضربك مخفش من المس.

  • مقدرش يا ماما.

بلاش تضربه ..يا حبيبي.. بس لما يمد إيده عليك امسكه وابعده عنك .. متخليهوش يضربك”

  • بيضربني فجأة ويجري.

يا حبيبي أنا مش عيزاك تكون ملطشة.

في النهاية لم أصل لحل مع إبني فهو يحترم “المس” ولن يخرج عن هذا الإطار، والولد “المتنمر”، لا يرى “المس” أمامه من الأساس وقتما يريد أن يضرب ويتنمر على بقية الأولاد في الفصل.

معضلة “اللي يضربك إضربه” و”الملطشة” ناقشتها مع إحدى الأمهات والتي كانت على النقيض مني، فلديها ابن هاديء للغاية ولطيف، لكن الأولاد في المدرسة يعدونه “ضعيف”، فيعود لها يوميا وأحد زملاء قام بضربه، ورد فعلها أنه جميل بطبعه هذا والعيب في زملاءه!  وترى أن إبقاءه على طبيعته الهادئة هو

الصحيح، والأولاد العنيفين هم الذين على خطأ.

رددت عليها : وهل ترضين بأن يصبح إبنك ملطشة لزملاءه.

لم أتفق معها .. وهي لم تقتنع برأيي أن ولد جميل مثل هذا لا يستحق المعاملة القاسية تلك وتنمر الأخرين عليه.

هل فكرة “اللي يضربك تضربه” هي الصح، خاصة أن العنف المستمر في جانب طفل معين، يصيبه حتما بالدونية والعقد النفسية وفقد الثقة في النفس ومشكلات عدة، كما أن فكرة القصاص جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالي بسورة المائدة:” وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45).

والقصاص هنا في كل فعل يحمل الأذي يرد عليه بنفس الفعل، وتنطوي فكرة القصاص في وضع حد لـ”الجاني”، ورد إعتبار “المجني عليه” وحفظ “كرامته”، إذا سوف يرتدع الجاني ويتوقف عن اعتداءاته وتنمره، وسوف يمشي المجني عليه وهو رافعا رأسه غير منكسر ولا مهموم.

وقد يتفق معي الجميع بأن  التربية من الأساس لابد أن تبني على فكرة  منع الاعتداء من جانب الأولاد ضد بعضهم البعض، فعلى الآباء تربية أبنائهم على التعايش بمحبة وإخاء مع من حولهم، وفي حالة صدور عنف منهم لابد من وقفة تردعهم، أما فكرة الاستمرار في مسلسل “المتنمر والضحية” سوف تدعم مجتمع “الغابة” الذي يُفرخ أناس يهدمون أكثر مما يبنون.

دمتم في سعادة وكل عام وأنتم بخير

hala El Desouki

"هالة الدسوقي .. صحفية ورسامة الكاريكاتير.. خريجه كلية الإعلام جامعة القاهره.. وخبره ٢٠ عاما في العمل الصحفي.. عملت في أكثر من موقع منها موقع محيط وعشرينات وجريدة المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى